ملحمة مصرية رائعة وانجازات غير مسبوقة حققتها مصر علي مدار خمسة وعشرين عاماً وضعت في إطار مسيرة عمل شاملة قادها الرئيس مبارك بكفاءة واقتدار ونجح من خلالها في تحقيق الاستقرار والأمان في اتجاه النهوض بالبلاد وانطلاقها نحو الآفاق الرحبة للمستقبل .
أن حصاد سنوات حكم مبارك مضيئة وعديدة سوف يسطرها تاريخ مصر الحديث في صدر صفحاته ، فمنذ الرابع عشر من اكتوبر 1981 حمل الرئيس مبارك امانة المسئولية ليقود مصر في ظروف بالغة الصعوبة ويوجه سفينتها وسط الامواج والمتغيرات الاقليمية والعالمية مستشعراً جسامة المسئولية وعظمها .. مستشرفاً آفاق المستقبل الرحبة لمصر الكنانة وشعبها العظيم .
وما بين عام 1981 وعام 2006 دارت عجلة التنمية في شتي مجالات البناء والإصلاح بهدف رفع مستوي معيشة الإنسان ، فامتدت التنمية علي مدار أكثر من عشرين عاماً لتشمل كافة مجالات الحياة في مصر ، حيث حرص الرئيس مبارك منذ ولايته للحكم علي تحديد المشكلات الاساسية التي تعوق حركة التنمية والعمل علي مواجهتها بأسلوب علمي ، فكانت دعوته الي عقد المؤتمر الاقتصادي في فبراير 1982 والذي ضم اساتذة وخبراء الاقتصاد في مصر لدراسة الوضع الاقتصادي وتحديد من اين وكيف تبدأ مسيرة التنمية والاصلاح .
وقد أسفر هذا المؤتمر عن بدء عهد جديد من التنمية في ظل سلسلة متواصلة من خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعمل في اطار استراتيجيات محددة وأهداف طموحة وادوات مرنة ، وصاحب تنفيذ هذه الخطط مجموعة من الاجراءات لتصحيح المسار الاقتصادي وتحقيق الاصلاح الشامل .
وقد اسفر برنامج الاصلاح الاقتصادي عن تحقيق العديد من النتائج في مقدمتها وضع الاقتصاد المصري في مرحلة التنافس عالمياً حيث تمت السيطرة علي معدل التضخم وارتفاع الاسعار ، كما انخفض عجز الموازنة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي واستقرت المؤشرات الرئيسية لاداء الاقتصاد المصري حيث ارتفع معدل النمو الاقتصادي خلال عام 2006 ليصل الي 5.8% علي الرغم من تأثير الاحداث الاقليمية والعالمية ، وارتفعت قيمة الناتج المحلي الاجمالي في عام 2006 ليصل الي 558 مليار جنيه ، ولا شك ان هذه البنية الاقتصادية كفيلة بتحويل مصر الي سوق واعدة خاصة بعد تفعيل السياسات المالية والاقتصادية المحفزة في ظل اطار تشريعي متكامل يعمل علي ازالة العقبات والتعقيدات عن كاهل المستثمرين .
وقد شهدت مشروعات البنية الاساسية والمرافق خلال عهد الرئيس مبارك نقلة نوعية وكمية متطورة ساهمت في بناء شبكة حديثة غطت كافة انحاء البلاد في مجال مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء وشبكة الاتصالات والطرق والمواصلات ، وكانت ثمرة ذلك تضاعف نصيب الفرد من مياه الشرب النقية ومن خدمات الصرف الصحي اليوم أكثر من ست مرات عما كان عليه عام 1981 ، وارتفع متوسط استهلاك الفرد من الكهرباء أكثر من ثلاثة امثال ما كان عليه ليصل الي 1450 كيلو وات/ ساعة سنوياً ، وفي الوقت نفسه تضاعفت الكثافة التليفونية اكثر من عشر مرات عما كانت عليه .. من خط تليفوني لكل 83 فرداً عام 1981 الي خط تليفوني لكل ستة افراد في فبراير 2006 .
ومواكبة لتلك النهضة في البنية الأساسية تم انشاء 48.1 الف كيلومتر من الطرق المرصوفة و15 ميناء تجارياً تصل طاقتها الي نحو 83 مليون طن أي نحو ستة امثال طاقة الموانئ السابقة ثم كانت الطفرة في وجود 22 مطارا مدنيا ، وهو مما ساهم في تشجيع حركة السياحة الداخلية والخارجية بجانب وجود نحو 1339 فندقا وقرية سياحية ليصل عدد السائحين الوافدين لمصر 8.6 ملايين سائح وافد أي نحو ستة امثال ما كان موجودا عام 1981 .
وخلال هذه المرحلة اهتمت الدولة بتنفيذ مجموعة من السياسات العامة الجديدة في مختلف القطاعات الاقتصادية تهدف الي تفعيل الأداء بكل قطاع والقضاء علي المعوقات التي تحول دون انطلاق الأداء في مسارات ايجابية مما ساهم في تحقيق مؤشرات اداء عالية ومطمئنة ، وهو ما انعكس بوضوح في قطاع الزراعة حيث شهد الإنتاج الزراعي زيادة كبيرة من خلال إضافة زراعات جديدة ومتطورة في الاراضي الجديدة ، كما تمت اضافة نحو 2.2 مليون فدان للرقعة الزراعية من الاراضي الجديدة حتي وصل الانتاج الزراعي حالياً الي ما قيمته 106.6 مليارات جنيه .
ثم كانت النهضة الكبري في البناء والتعمير مع بداية عصر المشروعات القومية العملاقة في جنوب الوادي وإقليم القناة وسيناء ، حيث نجحت الدولة خلال هذه المرحلة في الخروج من حدود الوادي الضيق والدلتا الي الصحراء مما ساهم في زيادة مساحة الحيز العمراني المأهول بالسكان من 4% الي 5.5% ، مع اقامة مدن وتجمعات عمرانية جديدة وصل عددها الي 23 مدينة وتجمعاً عمرانياً جديداً بها نحو 675 الف وحدة سكنية وتضم نحو 3709 ومصنعا منتجا ، حيث توفر هذه المصانع نحو 318 آلاف فرصة عمل .
وعلي صعيد التنمية البشرية حققت مصر تطورا كبيرا خلال هذه المرحلة إيمانا منها بأن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها ، فتم الارتقاء بمستوي الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية ، وتعكس احصائيات وزارة الصحة ان ما تم انفاقه علي الصحة خلال عام 2005/2006 قد وصل الي نحو 8.2 مليارات جنيه كذلك ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الدواء لتصل الي 96% من احتياجات المرضي ، ومن ثم انخفضت معدلات وفيات الأطفال من 71 في الالف الي 17 في الالف ، كما ارتفع متوسط عمر الفرد من الذكور الي 69.2 في مقابل 58.1 في عام 1981 ، اما الاناث فقد ارتفعت اعمارهن الي نحو 73.6 سنة في مقابل 60.60 في عام 1981، أي ان متوسط عمر الانسان في مصر قد زاد بمقدار اثني عشر عاماً .
ومع اعتبار التعليم مشروع مصر القومي الاول ، توالت الانجازات حتي وصل اجمالي اعداد المقيدين في جميع المراحل التعليمية الي نحو 19.5 مليون طالب وطالبة ، صاحب ذلك وضع استراتيجية تعليمية تهدف لزيادة معدلات القيد والإرتقاء بها ، الي جانب تطوير وتحسين مستوي التعليم عبر الإهتمام بتحقيق الإستيعاب الكامل للتطور التكنولوجي الهائل والثورة المعلوماتية في منظومة التعليم مع إنشاء اول هيئة لضمان جودة التعليم في مصر وذلك ضماناً لتحقيق نقله نوعية تساهم في الدخول بقوة الي مجتمع المعرفة .
ولأن الرعاية الاجتماعية تستهدف في المقام الاول تحقيق الاستقرار الاجتماعي والنفسي للاسرة المصرية لضمان مشاركتها في مختلف قضايا وشئون المجتمع ، كان برنامج الاصلاح الاقتصادي مصريا خالصا مراعيا للبعد الاجتماعي في كافة خطواته داعماً للفئات الفقيرة في المجتمع من خلال استمرار الدعم للسلع والخدمات الرئيسية والذي ظل في تزايد مستمر حتي وصل الآن الي اكثر من 33.7 مليار جنيه تمثل نحو 23.4% من اجمالي الانفاق العام ، حيث وصل دعم رغيف الخبز فقط الي 7.1 مليارات جنيه أي نحو تسعة امثال ما كان عليه ، هذا بخلاف نحو 4.5 مليارات جنيه لدعم السلع التموينية في مواجهة ارتفاع الاسعار العالمية مقارنة بمليار جنيه عام 1981 .
كما خصص لقطاع الكهرباء دعم تجاوز ثلاثة مليارات جنيه مقابل 50 مليون جنيه عام 1981 ، حيث يخصص هذا المبلغ لدعم شرائح الاستهلاك المنخفضة خاصة للاسر محدودة الدخل ، كذلك تحظي المنتجات البترولية بدعم اكبر تصل قيمته الي 20.2 مليار جنيه مقابل مليون جنيه عام 1981 ، ناهيك عن حفاظ الدولة علي اسعار منخفضة للسولار والبنزين مقارنة بمعظم الدول النامية .
وقد صاحب ذلك اتساع مظلة التأمينات الاجتماعية لتغطي الفقراء والمهمشين واصبح هناك معاشات خاصة للأطفال و الأيتام و أبناء المطلقات ، ومن ثم وصلت قيمة المعاشات المنصرفة عام 2005 / 2006 الي نحو 20.1 مليار جنيه أي اكثر من 25 مثل ما كانت عليه ، وارتفع عدد المؤمَّن عليهم من 10.3 ملايين مواطن الي 18.9 مليون . وفي الوقت نفسه تحسنت احوال العاملين بالدولة وتم اعادة هيكلة الجهاز الاداري ومعالجة الرسوب الوظيفي ، كما وصلت قيمة الأجور نحو 45.8 مليار جنيه وتحملت الدولة في هذا الاطار نحو 15 مليار جنيه مساهمات في صناديق المعاشات في الموازنة نفسها ، علماً بان عدد العاملين في الدولة قد زاد اكثر من الضعف من نحو 2.2 مليون موظف عام 1981 الي نحو 5.6 ملايين موظف عام 2006 .
وفي سياق هذه الانجازات ، طرأ تحسن ملموس في مؤشرات الرفاهية للاسرة المصرية – علي الرغم من الزيادة السكانية غير المسبوقة والتي حدثت خلال العشرين عاما الماضية ليرتفع خلالها عدد السكان من 42 مليون نسمة عام 1981 الي نحو 73.6 مليون نسمة في يناير 2006 – حيث اصبح متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي السنوي نحو سبعة الاف جنيه مقارنة بـ 553 جنيها عام 1981 ، واصبح هناك اكثر من 14.8 ملايين مشترك في خدمة التليفون المحمول، وأكثر من 90% من الأسر المصرية تمتلك جهاز التليفزيون ، ووفقاً لإحصائيات المرور ففي مصر الآن نحو 2.3 سيارة خاصة لكل مائة نسمة بعد ان كانت نحو 0.7 في عام 1981 .
وقد صاحب هذه الرؤية الاقتصادية والاجتماعية في الإصلاح ، خطوات جادة للإصلاح السياسي ، حيث حرص الرئيس مبارك علي رفع شعار الديمقراطية ولم يحد عنها طوال هذه الفترة ، وخاض معركة التحول السياسي من خلال تقرير التعددية الحزبية وحرية الرأي والكلمة وفتح ابواب الحوار علي مصراعيها دون قيد علي صاحب قلم أو فكر وإعلاء سيادة القانون ، فترسخت الحياة الديمقراطية في مصر وتزايد عدد الأحزاب السياسية ليصل الي 23 حزبا ، كما تميزت الإنتخابات بالنزاهة التامة في ظل إشراف قضائي كامل .
وازدهرت حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير ليصل عدد الصحف الصادرة في مصر الي اكثر من 500 صحيفة ، ومن أجل تحقيق الاستقرار والأمن للمصريين خاض الرئيس مبارك معركة شرسة لمواجهة قوي التطرف والإرهاب ، ودعا العالم الي مواجهتها بكافة الأساليب ، ويقر العالم اليوم بأن دعوة الرئيس كانت أولي بالدراسة والاهتمام .
كما اتخذت مصر في الآونة الأخيرة عدة إجراءات إصلاحية في المجال السياسي من أبرزها إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان ، وتبني مفهوم المواطنة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وتشجيع المشاركة السياسية مع تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في مسيرة الإصلاح . كذلك تم إلغاء محاكم امن الدولة وعقوبة الإشغال الشاقة ، ثم كانت الخطوة التاريخية لتتويج مسيرة الإصلاح السياسي ، عندما أعلن الرئيس مبارك مبادرته لتعديل المادة (76) من الدستور بما يقضي بان يكون انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الحر المباشر من بين أكثر من مرشح ، وهو الأمر الذي يعد تأكيدا للنظام الديمقراطي الذي يستهدف إعلاء سيادة الشعب واحترام إرادته كي تكون له الكلمة الأولي والأخيرة في اختيار من يقود مسيرته .
وفي مجال السياسة الخارجية حرص الرئيس مبارك علي تحقيق التوازن والموضوعية وانتهج سياسة عربية تهدف في المقام الأول لخدمة قضايا الأمة العربية فاستطاع أن يعيد مصر إلي الجامعة العربية وان يعيد الجامعة العربية إلي مصر وسعي إلي تفعيل التعاون العربي المشترك والتكامل الاقتصادي العربي .
كما طالب الرئيس مبارك بنزع كافة أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط وكان حريصا كل الحرص علي رعاية عملية السلام في الشرق الأوسط ودعم القضية الفلسطينية في كل مراحلها إيمانا منه بضرورة وقوف مصر إلي جانب الحق الفلسطيني . وقد استطاعت مصر خلال هذه المرحلة ان تطور علاقاتها مع الدول الإفريقية والدول الأوروبية المتوسطية ، وللرئيس مبارك رؤية متميزة بالنسبة للاوضاع الاقتصادية العالمية ويسجل التاريخ له انه أول من نبه الي مخاطر العولمة ودعا الي وضع آليات لتهذيبها وتفادي تأثيراتها السلبية علي الفقراء في العالم .
وهكذا نجد أن انجازات الرئيس مبارك خلال السنوات الماضية تشهد له بانه كرس جهده ووقته لخدمة وطنه وتحقيق آماله في الحرية والكرامة واللحاق بركب العصر ، وأنه استطاع ان يحقق في سياسته نوعا من التوازن النادر والحياد غير المسبوق في الداخل والخارج ، حقق له ولمصر قدراً كبيرا من المصداقية والاعتدال والبعد عن التحيز والتعصب ، فكانت حكمته سبباً في قدرته علي تحقيق إنجازات مهمة تمثل علامات مضيئة في مسيرة مصر مبارك .